بأشراف الأستاذ: مدحت

   مدرسة دبي الثانوية

الطريقة الاستنتاجية و أسس الهندسة ... 

الطريقة الاستنتاجية و أسس الهندسة ...

نشأ علم الهندسة في مصر القديمة لحاجة المصريين لمسح أراضيهم سنوياً بعد كل فيضان لنهر النيل ، وانتقلت المعارف الهندسية منهم إلى اليونان الذين لم يكتفوا بمتابعة تجميع هذه المعارف واثرائها ، بل تجاوزوا ذلك وتوصلوا إلى مفهوم النظرية ، فكان لهم الفضل الأكبر في إيجاد ما نسميه اليوم الطريقة الاستنتاجية ، والتي تعتبر من اكبر إنجازات الفكر الرياضي .

وبعد اليونان ، تطور علم الهندسة وعلوم الرياضيات الأخرى على أيدي الهنود والعرب . وعلى الرغم من كثرة الإنجازات الهندسية التي تمت ، فإن النظرة إلى هذا العلم لم تختلف عن نظرة اقليدس في حوالي عام 300 قبل الميلاد ومعاصريه إليه . وحتى يومنا هذا ، فان الهندسة التي تدرس بشكل أساسي في المدارس والجامعات هي هندسة اقليدس .

إن الطريقة الاستنتاجية التي اعتمدت في تنظيم علم الهندسة تستند إلى الركائز الخمس التالية :

  • إيراد بعض التعابير أو المصطلحات غير المعرفة         

  • النص على المسلمات أو البديهيات  

  • إيراد التعابير المعرفة     

  • النص على النظريات   

  • البرهان على هذه النظريات   

 فمن التعابير الأساسية غير المعرفة في علم الهندسة ، النقطة والمستقيم والمستوى . وكمثال على التعريف تعريف الزاوية على أنها اتحاد نصفي مستقيمين صادرين من نقطة واحدة .

وأورد اقليدس المسلمات الخمس التالية :

  1. يمكن رسم مستقيم وحيد يمر بأية نقطتين .

  2. يمكن مد القطعة المستقيمة بلا حدود من كلتي جهتيها .

  3. يمكن رسم دائرة مركزها معلوم ونصف قطرها اختياري .

  4. كل الزوايا القائمة متساوية .

  5. إذا قطع مستقيم مستقيمين آخرين واقعين في مستو واحد ، وكان مجموع الزاويتين الداخليتين في إحدى جهتي المستقيم القاطع أصغر من قائمتين ، فان المستقيمين يتقاطعان في هذه الجهة .

 وكانت الفكرة السائدة بين الرياضيين هي أن صحة المسلمة تقاس بوضوحها ، فقبلوا المسلمات الأربع الأولى ، أما المسلمة الخامسة فلم تكن بنفس وضوح المسلمات الأخرى . لذا ساد الاعتقاد بان ما اسماه اقليدس المسلمة الخامسة ما هي إلا نظرية تستند إلى ما قبلها من المسلمات ، وان اقليدس وضعها من ضمن المسلمات لأنه لم يكتشف البرهان عليها . وظل الرياضيون يجرون المحاولة تلو الأخرى للبرهان على مسلمة اقليدس الخامسة قرابة ألفي عام ، ولكن محاولاتهم باءت بالفشل . واعتقد كثير منهم بأنهم قد أفلحوا في البرهان عليها ، لكن كانت البراهين التي قدموها إما تحتوي غلطة منطقية ، أو مسلمة أخرى مكافئة للمسلمة الخامسة قيد البرهان ، مثل

( لايمكن أن نرسم إلا مستقيما وحيدا مواز لمستقيم مفروض من نقطة خارجة عنه )  فهذه المسلمة مكافئة للمسلمة الخامسة .

وقد زال الغموض الذي اكتنف مسلمة اقليدس الخامسة بفضل العالم الرياضي الروسي لاباتشيفسكي وذلك باكتشافه الهندسة غير الاقليدية ( الزائدية ) ، فقد حاول لاباتشيفسكي أن يبرهن المسلمة الخامسة بطريقة نقض الفرض فاحتفظ لاباتشيفسكي بمسلمات اقليدس كلها عدا المسلمة الخامسة والتي استبدلها بالمسلمة التالية ( يمر من أية نقطة خارجة عن مستقيم معلوم اكثر من مستقيم واقع في مستوى المستقيم المعلوم ، وغير قاطع له ) . بدأ لاباتشيفسكي بعد ذلك باستخلاص النتائج من هذه الجملة الجديدة من المسلمات ( مسلمات اقليدس الأربع  ومسلمته السابقة ) ، فاكتشف أن كل ماورد من نتائج اتسم بالسلامة المنطقية وعدم التناقض الداخلي ( التناسق ) مما قاده إلى اكتشاف هندسة جديدة هي الهندسة المسماة باسمه . وفيها يكون مجموع زوايا المثلث أقل من 180ْ .

وكذلك ظهرت هندسة ريمان ( الناقصية ) ، فحيث أن هندسة اقليدس تقبل بوجود مواز واحد فقط لمستقيم من نقطة خارجة عنه ، وأن هندسة لاباتشيفسكي تقبل بوجود عدد غير منته من هذه المتوازيات ، فإن هندسة ريمان لا تقبل بوجود المستقيمات المتوازية . وفيها يكون مجموع زوايا المثلث أكبر من 180ْ .

إن المسلمة والنظرية يشغلان في الطريقة الاستنتاجية مركزين مختلفين ، فبينما تستند النظرية في نهاية الأمر إلى المسلمات ، فان المسلمات تقبل دون برهان . والبرهان هو مناقشة تبين أن صحة النظرية  أو الاستنتاج تنتج منطقياً عن صحة المسلمات المتفق عليها ، والنظريات السابقة التي تمت برهنتها . وهكذا فان البرهان على أية مسألة أو نظرية يستند في نهاية الأمر إلى المسلمات بشكل مباشر أو غير مباشر .

هل نقبل بوجود هندسات مختلفة ؟

إن اكتشاف الهندسات غير الاقليدية أحدث في الوسط الرياضي هزة ، فقد سيطر على التفكير الرياضي خلال ما يقرب من 2000 سنة أن الهندسة الاقليدية هي الهندسة ( الصحيحة ) ، إذ أنها مبنية على مسلمات متينة وأنها هندسة متناسقة ( غير متناقضة ) . ولكن اكتشافات لاباتشيفسكي وريمان بينت عدم دقة هذا الاتجاه في التفكير ، إذ اتضح وجود هندسات أخرى متناسقة أيضاً ، وبالتالي فلا يجوز رفضها . وباللجوء إلى التجربة نجد استحالة القياس الخالي من التقريب مما يسبب إشكالاً لا يمكن تفاديه . فمثلاً إن التحقق من مجموع زوايا المثلث الكوني غير ممكن بسبب الخطأ في القياس الذي تقترفه الأجهزة الفلكية ، فليس بمقدور أحدث أجهزة القياس الفلكية أن تثبت أو تنفي هندسة لاباتشيفسكي .

وفيما يتعلق بهندسة ريمان ، فقد وجدت لها تطبيقات في نظرية النسبية العامة التي جاء بها اينشتاين .

وبالتالي ، فلم يحن بعد ذلك اليوم الذي نحكم فيه بأن فراغنا الفيزيائي هو فراغ اقليدس أو لاباتشيفسكي أو ريمان .

ويقبل العلماء اليوم بأن الهندسة الاقليدية هي تقريب جيد للهندسات غير الاقليدية عندما نقيد أنفسنا بمناطق صغيرة نسبياً .

 

Back to home page  .. الرجوع .. Back to home page

جميع حقوق الطبع محفوظة لواحة الرياضيات 2002 - 2003