|
||
|
الطريقة
الاستنتاجية و أسس الهندسة ...
نشأ علم الهندسة في
مصر القديمة لحاجة المصريين
لمسح أراضيهم سنوياً بعد كل
فيضان لنهر النيل ، وانتقلت
المعارف الهندسية منهم إلى
اليونان الذين لم يكتفوا
بمتابعة تجميع هذه المعارف
واثرائها ، بل تجاوزوا ذلك
وتوصلوا إلى مفهوم النظرية ،
فكان لهم الفضل الأكبر في إيجاد
ما نسميه اليوم الطريقة
الاستنتاجية ، والتي تعتبر من
اكبر إنجازات الفكر الرياضي . وبعد اليونان ، تطور
علم الهندسة وعلوم الرياضيات
الأخرى على أيدي الهنود والعرب .
وعلى الرغم من كثرة الإنجازات
الهندسية التي تمت ، فإن النظرة
إلى هذا العلم لم تختلف عن نظرة
اقليدس في حوالي عام 300 قبل
الميلاد ومعاصريه إليه . وحتى
يومنا هذا ، فان الهندسة التي
تدرس بشكل أساسي في المدارس
والجامعات هي هندسة اقليدس . إن الطريقة
الاستنتاجية التي اعتمدت في
تنظيم علم الهندسة تستند إلى
الركائز الخمس التالية :
فمن التعابير
الأساسية غير المعرفة في علم
الهندسة ، النقطة والمستقيم
والمستوى . وكمثال على التعريف
تعريف الزاوية على أنها اتحاد
نصفي مستقيمين صادرين من نقطة
واحدة . وأورد اقليدس
المسلمات الخمس التالية :
وكانت الفكرة
السائدة بين الرياضيين هي أن
صحة المسلمة تقاس بوضوحها ،
فقبلوا المسلمات الأربع الأولى
، أما المسلمة الخامسة فلم تكن
بنفس وضوح المسلمات الأخرى . لذا
ساد الاعتقاد بان ما اسماه
اقليدس المسلمة الخامسة ما هي
إلا نظرية تستند إلى ما قبلها من
المسلمات ، وان اقليدس وضعها من
ضمن المسلمات لأنه لم يكتشف
البرهان عليها . وظل الرياضيون
يجرون المحاولة تلو الأخرى
للبرهان على مسلمة اقليدس
الخامسة قرابة ألفي عام ، ولكن
محاولاتهم باءت بالفشل . واعتقد
كثير منهم بأنهم قد أفلحوا في
البرهان عليها ، لكن كانت
البراهين التي قدموها إما تحتوي
غلطة منطقية ، أو مسلمة أخرى
مكافئة للمسلمة الخامسة قيد
البرهان ، مثل ( لايمكن أن نرسم إلا
مستقيما وحيدا مواز لمستقيم
مفروض من نقطة خارجة عنه )
فهذه المسلمة مكافئة
للمسلمة الخامسة . وقد زال الغموض الذي
اكتنف مسلمة اقليدس الخامسة
بفضل العالم الرياضي الروسي
لاباتشيفسكي وذلك باكتشافه
الهندسة غير الاقليدية (
الزائدية ) ، فقد حاول
لاباتشيفسكي أن يبرهن المسلمة
الخامسة بطريقة نقض الفرض
فاحتفظ لاباتشيفسكي بمسلمات
اقليدس كلها عدا المسلمة
الخامسة والتي استبدلها
بالمسلمة التالية ( يمر من أية
نقطة خارجة عن مستقيم معلوم
اكثر من مستقيم واقع في مستوى
المستقيم المعلوم ، وغير قاطع
له ) . بدأ لاباتشيفسكي بعد ذلك
باستخلاص النتائج من هذه الجملة
الجديدة من المسلمات ( مسلمات
اقليدس الأربع
ومسلمته السابقة ) ، فاكتشف
أن كل ماورد من نتائج اتسم
بالسلامة المنطقية وعدم
التناقض الداخلي ( التناسق ) مما
قاده إلى اكتشاف هندسة جديدة هي
الهندسة المسماة باسمه . وفيها
يكون مجموع زوايا المثلث أقل من
180ْ . وكذلك ظهرت هندسة
ريمان ( الناقصية ) ، فحيث أن
هندسة اقليدس تقبل بوجود مواز
واحد فقط لمستقيم من نقطة خارجة
عنه ، وأن هندسة لاباتشيفسكي
تقبل بوجود عدد غير منته من هذه
المتوازيات ، فإن هندسة ريمان
لا تقبل بوجود المستقيمات
المتوازية . وفيها يكون مجموع
زوايا المثلث أكبر من 180ْ . إن المسلمة والنظرية
يشغلان في الطريقة الاستنتاجية
مركزين مختلفين ، فبينما تستند
النظرية في نهاية الأمر إلى
المسلمات ، فان المسلمات تقبل
دون برهان . والبرهان هو مناقشة
تبين أن صحة النظرية
أو الاستنتاج تنتج منطقياً
عن صحة المسلمات المتفق عليها ،
والنظريات السابقة التي تمت
برهنتها . وهكذا فان البرهان على
أية مسألة أو نظرية يستند في
نهاية الأمر إلى المسلمات بشكل
مباشر أو غير مباشر . هل
نقبل بوجود هندسات مختلفة ؟
إن اكتشاف الهندسات
غير الاقليدية أحدث في الوسط
الرياضي هزة ، فقد سيطر على
التفكير الرياضي خلال ما يقرب
من 2000 سنة أن الهندسة الاقليدية
هي الهندسة ( الصحيحة ) ، إذ أنها
مبنية على مسلمات متينة وأنها
هندسة متناسقة ( غير متناقضة ) .
ولكن اكتشافات لاباتشيفسكي
وريمان بينت عدم دقة هذا
الاتجاه في التفكير ، إذ اتضح
وجود هندسات أخرى متناسقة أيضاً
، وبالتالي فلا يجوز رفضها .
وباللجوء إلى التجربة نجد
استحالة القياس الخالي من
التقريب مما يسبب إشكالاً لا
يمكن تفاديه . فمثلاً إن التحقق
من مجموع زوايا المثلث الكوني
غير ممكن بسبب الخطأ في القياس
الذي تقترفه الأجهزة الفلكية ،
فليس بمقدور أحدث أجهزة القياس
الفلكية أن تثبت أو تنفي هندسة
لاباتشيفسكي . وفيما يتعلق بهندسة
ريمان ، فقد وجدت لها تطبيقات في
نظرية النسبية العامة التي جاء
بها اينشتاين . وبالتالي ، فلم يحن
بعد ذلك اليوم الذي نحكم فيه بأن
فراغنا الفيزيائي هو فراغ
اقليدس أو لاباتشيفسكي أو ريمان
. ويقبل العلماء اليوم
بأن الهندسة الاقليدية هي تقريب
جيد للهندسات غير الاقليدية
عندما نقيد أنفسنا بمناطق صغيرة
نسبياً .
|
جميع حقوق الطبع محفوظة لواحة الرياضيات 2002 - 2003 |